أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 94 :
النجاح النبوي الساحق بإبراز من سيخلفه
في الوقت نفسه الذي كان فيه رسول الله يركز على حقيقة وطبيعة المكانة الخاصة المميزة التي اختارها الله لأهل بيته ، كان النبي يسلط أضواء ربانية
----------------------------------------------- ص 95 -----------------------------------------------
خاصة على الأئمة من أهل بيت النبوة فيقدمهم من خلال تركيزه الخاص عليهم كقادة شرعيين للأمة ، وقد ساق رسول الله الخطين معا ، فعمم المكانة السامية لأهل بيت النبوة ، وأبرز المكانة الخاصة للأئمة الأعلام منهم .
فبين أن أهل بيت النبوة هم المطهرون ( 1 ) ، وهم أولوا القربى التي فرض الله مودتهم ( 2 ) ، وهم الأبناء والنساء والأنفس الذين عنتهم آية المباهلة ( 3 ) وهم الأبرار الذين عنتهم آية الإطعام ( 4 ) ، وهم أولوا الأمر الذين فرض الله طاعتهم ( 5 ) ، وهم أهل الذكر ( 6 ) . . . الخ .
كان هذا يحدث في الوقت الذي كان فيه الرسول يوطد للإمام علي ويقدمه للأمة على أساس أنه الإمام الشرعي الذي سيلي رئاسة وقيادة الأمة بعد موت النبي ، ويوطد للإمامين الحسن والحسين على أنهما إمامان شرعيان من بعد أبيهما .
في حفل تنصيب وتتويج الإمام علي الذي تم في غدير خم نجح الرسول الأعظم نجاحا ساحقا بالربط الوثيق بين خطي الرئاسة والمرجعية ، فقد أهل بيت النبوة كأحد ثقلي الإسلام ، الذي لا تستقيم أمور الدنيا والدين إلا بهما .
فأكد الرسول بكل وسائل التأكيد بأن الهدى من بعد وفاته لا يدرك إلا بالتمسك بالثقلين معا ، وأنه لا يمكن تجنب الضلالة من بعده إلا بالتمسك بالثقلين معا ( 7 ) ، وبعد أن نجح الرسول الأعظم بغرس هذه
( 1 ) في كتابنا ( الهاشميون في الشريعة والتاريخ ) وعلى الصفحات 132 - 140 وثقنا ذلك بقرابة مائة مرجع .
( 2 ) المصدر نفسه . ( 3 ) المصدر نفسه . ( 4 ) المصدر نفسه . ( 5 ) المصدر نفسه . ( 6 ) المصدر نفسه .
( 7 ) في كتابنا ( الهاشميون في الشريعة والتاريخ ) تناولنا الصيغ العشر لحديث الثقلين ووثقنا كل صيغة =>
- ص 96 -
القناعة في قلوب سامعيه عالج الخط الخاص للرئاسة والمرجعية ، فقدم الإمام علي بن أبي طالب عميد أهل بيت النبوة كرئيس ومرجع عام للأمة من بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ، وكقائم مقامه ، ومؤد عنه أحكام الدين ، ثم نصبه وتوجه أمام الجميع ، فبلغ بيانه المدى في هذين المجالين ، وطوال الفترة التي سبقت الهجرة ، والتي تلت الهجرة ، والرسول يتلقى التوجيهات الإلهية للأسلوب الواجب اعتماده بتقديم أهل بيت النبوة عامة ، وتقديم الأئمة الذين سيلون الأمر من بعده خاصة ، حتى إذا ما اكتمل البيان النبوي المتعلق بهاتين الناحيتين أمر الله رسوله بأن ينصب أول من سيخلفه وهو الإمام علي ، وأن يأخذ له البيعة أثناء حياته من المسلمين ، وهكذا فعل الرسول في غدير خم ، والإمام علي وأهل بيت النبوة ، والخاصة من المؤمنين ، كانوا يعرفون بأن الرسول قد أعلن بأن الأئمة من بعده اثنا عشر أولهم علي ، وثانيهم الحسن ، وثالثهم الحسين ، وتسعة من ولد الحسين سماهم الرسول بأسمائهم قبل أن يلدوا ( 1 ) ، ومن المحال عقلا أن يعمل الرسول مثل هذه الأعمال ، أو أن يرتب مثل هذه الترتيبات الخطيرة دون موافقة وتوجيه إلهي سابق ، والدال على وجود التوجيه التأكيدات الإلهية القاطعة بأن الرسول يتبع ما يوحى إليه من ربه ، ثم إنه بعد أن نصب الرسول الإمام عليا وتوجه في غدير خم نزلت آية الإكمال ، وهذا يعني بأن العناية الإلهية توجه وتراقب بدقة متناهية ، خطوات الرسول في هذا المجال .
=> بعشرات المراجع المعتمدة ، ثم فصلنا الجانب المتعلق بالإمام علي من هذه الصيغ وربطناها بواقعتي التنصيب والتتويج في غدير خم ووثقناها توثيقا كافيا ، من هذه المراجع على سبيل المثال صحيح مسلم كتاب الفضائل ج 2 ص 362 و ج 15 ص 179 - 181 ، وصحيح الترمذي ج 5 ص 328 وج 5 ص 329 ، والتاج الجامع والأصول ج3 ص 308 ، وتيسير الوصول ج 1 ص 16 ، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 15 .
( 1 ) راجع على سبيل المثال منتخب الأثر للرازي ص 13 ، و 28 و 25 و 26 و 30 و 32 و 76 ، وأهل بيت النبوة مجمعون على ذلك ، وأهل الحديث والسير متفقون على أن عدد الأئمة أثنا عشر ولكنهم عجزوا عن ربط هذا الرقم بالواقع التاريخي . راجع كتابنا المواجهة ص 458 وما فوق . ( * )
- ص 97 -
في هذه الحالة لم يكن بوسع عاقل ، أن يعارض الرسول ، بل كل عاقل يجد نفسه سائرا في أثر الرسول ، ومتوصلا إلى ذات النتائج التي توصل إليها الرسول فأهل بيت النبوة هم أقرب الناس للنبي ، وهم القاسم المشترك بين المسلمين بعد وفاة النبي ، وهم رمز وحدة وقاعدة الأمة ، ورمز استمرارية الرسول ، فعندما نذكر الأمة الإسلامية ، تقفز إلى ذهنك صورة بانيها رسول الله ، وفي غياب الرسول تقفز إلى الذهن الصورة المتماسكة لأهل بيته ، لقد عرفنا مكانة علي وهو الإمام الأول ، أما الأحد عشر فكلهم من أهل بيت النبوة ، وكلهم أحفاد النبي ، فحكم أي واحد منهم أدعى للاستقرار والرضا والقبول من حكم أي مسلم آخر ، ففي ذلك استقرار لمؤسسة الرئاسة والمرجعية ، وقطع لدابر الاختلاف والتنازع على الرئاسة من بعد النبي ، وهذا هو أساس سلامة أمور الدين والدنيا .
لذلك فلا تعجب من قبول المسلمين العام لهذه التدابير ، وتسليمهم الفطري بوجاهتها ومنطقيتها ، فالمؤمنون الصادقون كانوا على خط النبي لا يحيدون عنه قيد أنملة ، والمسلمون الآخرون آمنوا بوجاهة هذه الترتيبات ، حتى المسلمون الأحداث والطلقاء سلموا بمنطقية هذه الترتيبات ووجاهتها