أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 91 :
وقائع حفل تنصيب وتتويج من سيخلف الرسول بعد موته
لأن منصب من يخلف النبي هو حجر الأساس لنظام الحكم في الإسلام ، ولقطع الطريق على أعداء الله السابقين الذين تستروا بالإسلام ، وحتى لا تكون لهم حجة يحتجون بها أمام الله ، فقد أمر الله رسوله بأن ينصب ويتوج عليا إماما من بعده وأن يكلف المسلمين بمبايعته فردا فردا تحت إشراف الرسول شخصيا ، فصدع الرسول بأمر ربه فأكمل رسول الله والمسلمون شعائر فريضة الحج ، ولأن الرسول قد أعلن بأن حجته تلك هي حجة الوداع ، وأنه لن يراهم أبدا بعد هذا العام ، فقد تعلقت به القلوب والأبصار ، وأرادوا أن يتزودوا من النظر إليه ، وأن يسمعوا كل كلمة يقولها .
خرج النبي من مكة متوجها إلى المدينة ، وتبعته وفود الحجيج ، وفي مكان يدعى غدير خم ، أناخ النبي ركابه ، وأمر برد الذين سبقوه بالسير ، وباستعجال الذين تأخروا عنه ، وأحيط المسلمون علما بأن الرسول سيصدر بيانه الأخير ، وتلخيصه للموقف ، من خلال خطبة سيلقيها أمام الجموع .
واحتشد المسلمون بالفعل في غدير خم وجاوز عددهم بأقل التقديرات مائة ألف مسلم ومسلمة ، وبعد قليل ظهر النبي وإلى جانبه علي بن أبي طالب ، الناس جلوس ، والنبي وعلي في حالة وقوف ، في مكان مكشوف ومرئي من كل الناس .
- ص 92 -
خشعت الأصوات ، فلا تسمع ولا همسا ، العيون معلقة بالنبي وبعلي والجميع يتساءلون ، لماذا جمع رسول الله الناس ؟ ! وأي أمر خطير يريد أن يعلنه ؟ حمد رسول الله ، الله وأثنى عليه ثم قال : ( كأني قد دعيت فأجبت . . . أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ! ! . . . ) .
لقد تأكد المسلمون السامعون من أن الرسول سيموت لا محالة فتابعوا بشغف واهتمام كل كلمة كانت تخرج من فم الرسول . ثم تابع الرسول خطبته قائلا : ( وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه النور والهدى فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به ، وعترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) .
وفجأة سأل رسول الله الجموع المسلمة المحتشدة أمامه قائلا : ( أيها الناس من وليكم ؟ ) فردت الجموع بصوت واحد : ( الله ورسوله ) وهنا أخذ الرسول بيد علي فأقامه ثم قال : ( من كان الله ورسوله وليه فهذا علي وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ) .
ومرة أخرى سأل الرسول المسلمين : ( ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقال المسلمون : بلى ! وسألهم الرسول ثانية : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ فقال المسلمون بلى ، فرفع الرسول يد علي بن أبي طالب وقال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) .
ثم قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : أيها الناس إني وليكم ، قال الناس نعم ، فرفع الرسول يد علي بن أبي طالب وقال : ( هذا وليي ويؤدي عني ، وأنا موال من والاه ، ومعاد من عاداه ) .
ثم أكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الحقيقة التي اتفق عليها الجميع فقال : ( إن الله
- ص 93 -
مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) .
هذه مقاطع من خطبة الرسول في غدير خم .
1 - بعد انتهاء الرسول من إلقاء بيانه المبارك ، عمم علي بن أبي طالب بما يعتم به الملائكة ، كناية عن التتويج .
2 - فهم المسلمون المجتمعون مغزى رسول الله ، وتلخيصه الدقيق والموفق للموقف فأيقنوا بأن رسول الله قد نصب علي بن أبي طالب وليا للأمة وإماما لها من بعده ، ولم يترك رسول الله الأمر عند هذا الحد ، بل أمر الإمام عليا أن يجلس في مكان خصصه له ، وطلب من المهاجرين والأنصار ومن كافة المجتمعين أن يذهبوا إلى الإمام فيبايعوه ، ويقدموا له التهاني بهذا المنصب ، وأخذ المسلمون يتدافعون لمبايعة الإمام الجديد وتقديم التهاني له ، وكان من جملة الذين بايعوا وقدموا التهاني عمر بن الخطاب ، فبايعه وهنأه قائلا : ( بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ومسلمة ) ( 1 ) أو قال : ( هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ) ( 2 ) ومن الطبيعي أن أبا بكر وعثمان وكبار
( 1 ) ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 75 ، ومناقب علي لابن المغازلي ص 18 ح 24 ، والمناقب للخوارزمي ص 94 ، وتاريخ بغداد للخطيب ج 8 ص 290 ، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 ص 158 ، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21 ، والغدير للأميني ج 1 ص 133 ، وفرائد السمطين للزرندي الحنفي ج 1 ص 77 .
( 2 ) ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 50 ، والمناقب للخوارزمي ص 94 ، ومسند أحمد ج 4 ص 281 ، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 24 ، والحاوي للفتاوى للسيوطي ج 1 ص 122 ، وذخائر العقبى للطبري ص 67 ، وفضائل الخمسة ج 1 ص 35 ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 197 ، ونظم درر السمطين للزرندي ص 109 ، وينابيع المودة للقندوزي ص 30 و 31 ، وتفسير الفخر الرازي ج 3 ص 63 ، وتذكرة الخواص للسبط الجوزي ص 29 ، ومشكاة المصابيح للعمري ج 3 ص 246 ، وعبقات الأنوار حديث الثقلين ج 1 ص 385 ، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 ص 77 ، والغدير للأميني ج 1 ص 272 عن المصنف لأبي شيبة ، والرياض النضرة للطبري ج2 =>
- ص 94 -
الصحابة والمهاجرين والأنصار قد بايعوا جميعا ، وقدموا تهانيهم للإمام ، ومن الطبيعي أن يبايع كافة الحاضرين وأن يقدموا تهانيهم للإمام ، لأن رسول الله قد أمر الجميع بذلك . بعد أن انتهت مراسم تنصيب وتتويج من سيخلف رسول الله ، هبط جبريل ومعه آية الإكمال ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي . . . ) ( 1 ) وصار يوم الغدير عيدا .
بعد ذلك عاد رسول الله ومعه حجاج المدينة وما حولها إلى المدينة ، أما بقية وفود الحجيج فقد التحقت بأماكن سكناها ، والجميع على بينة من الأمر .
=> ص 169 ، والمناقب لابن الجوزي ، والبداية والنهاية لابن الأثير ص 212 ، والخطط للمقريزي ص 423 ، وكنز العمال ج 6 ص 397 .
( 1 ) سورة المائدة ، الآية 3 . قال السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . . . ) أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري ، هبط جبريل بهذه الآية لما نصب رسول الله عليا يوم غدير خم ، ونادى له بالولاية . وقال : وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر مثل ذلك عن أبي هريرة ، قال الخطيب البغدادي في ج 8 ص 290 نزلت هذه الآية في غدير خم بعد المناداة بعلي وليا ، راجع تاريخ دمشق لابن عساكر ، ترجمة الإمام علي ج 2 ص 75 ، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 ص 57 ، والدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 259 ، والاتقان للسيوطي ج 1 ص 31 ، والمناقب للخوارزمي ج 1 ص 47 ، وينابيع المودة للقندوزي ص 115 ، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 ص 72 و 74 وتاريخ اليعقوبي ج 1 ص 35 ، وكتاب الولاية لأبي جرير الطبري ، وما نزل من القرآن في علي لأبي نعيم الاصفهاني ، وكتاب الولاية لأبي سعيد السجستاني ، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 210 وروح المعاني للآلوسي ج 6 ص 55 ، والبداية والنهاية لابن كثير ج 5 ص 210 ، وأهل بيت النبوة مجمعون على صحة ذلك كله . ( * )