أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 63 :
مهام الرسول واختصاصاته وصلاحياته ، ومن يتولاها بعد موته ؟
1 - المهام : كانت أولى مهام النبي واختصاصاته أن يتلقى القرآن من ربه ، وأن : أ - يتلوه وقد تلقى القرآن الكريم وتلاه بالفعل .
ب - أن يحافظ عليه فيجمعه ويدونه ، وقد جمعه بالفعل ودونه .
- ص 64 -
ج - أن يأمر الناس بتلاوته وحفظه وجمعه ، والمحافظة عليه ، وقد فعل الرسول ذلك .
د - أن يبين القرآن للناس من خلال سنته المباركة القولية والفعلية والتقريرية ، وأن ينقله من الكلمة إلى التطبيق والحركة ، وقد بين رسول الله القرآن وطبقه بالفعل .
ه - أن يدون رسول الله بيانه للقرآن أي سنته الطاهرة ، وأن يكتبها على اعتبار أن القرآن والسنة هما المنظومة الحقوقية الإلهية ، أو هما القانون النافذ ، ويجب أن يكون مكتوبا ، وبيد أمينة حتى يمكن الرجوع إليه ، وقد دون رسول الله بيانه للقرآن ، أو سنته ، بإملائه شخصيا وبخط الإمام علي بن أبي طالب ، فما من شئ يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلا وقد أملاه الرسول وكتبه الإمام علي بخط يده ، وفي الوقت نفسه أمر رسول الله المؤمنين والمسلمين بتدوين وكتابة بيان القرآن أو سنة الرسول ، فاستجاب المؤمنون ، ودون وكتب كل قادر منهم على الكتابة طائفة من سنة الرسول .
و - أن يوجد الرسول نموذجا أو آلية للاستمرار ، والحركة الدائمة في إطار الشرعية والمشروعية الإلهية ، وقد أوجد الرسول بالفعل آلية الدعوة ، حيث دعا من حوله فردا فردا وجماعة جماعة ، ورتب العلاقات بينه وبين الذين اتبعوه ، كرسول ، وكولي وكقائد ، وكمرجع عام لهم ، ورتب العلاقة بين الذين اتبعوه ، وبينهم وبين غيرهم من الجماعات والأفراد ، وبنى دولة الإيمان ، حسب التوجيه الإلهي ، لتكون نقطة تجمع للذين آمنوا ، وهوية سياسية تميزهم عن غيرهم ، ونواة لحماية حرية الاختيار .
2 - الصلاحيات : كان الرسول خلال حياته المباركة ، هو النبي ، وهو الرسول وهو الولي ، وهو الإمام وهو القائد ، وهو المرجع العام الأوحد للمؤمنين
- ص 65 -
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، طاعته إيمان ، وطاعة لله ، ومعصيته فسوق وعصيان ومعصية لله ، فهو رئيس الدولة ، وهو رئيس الدعوة أيضا وهو المسؤول الأعلى عن مستقبل الدعوة والدولة معا ، وهو الأمين على وحي الله وشرعه ، فحكمه حكم الله .
وأقواله ، وأفعاله وتقريراته جزء لا يتجزأ من شرع الله ، فهو المرجع العام في شؤون الدنيا والآخرة ، لأنه الأعلم ، والأفهم والأفضل ، والأتقى ، والأقرب لله ، ولأنه المختص ، والمعد ، والمؤهل إلهيا لكل ذلك ، ولأنه معصوم عن الوقوع في الزلل والخطأ ، فقد شهد الله بأنه لا ينطق عن الهوى ، وأنه يتبع تماما ما يوحى إليه من ربه . فمن ادعى بأنه أفهم من الرسول ، أو أفضل منه ، أو أغير على الإسلام منه ، أو زاود عليه ، فلم يرض بما رضي به الرسول ، أو ادعى بأنه يحب الإسلام والمسلمين أكثر منه ، فاعلم أن ذلك المدعي ، فاسد ، ومنافق ، ومأفون ، وتافه .
والسر في هذه الصلاحيات الهائلة التي أعطاها الله لنبيه :
1 - هو أن الله هو الذي اختار الرسول للرسالة والنبوة والولاية والمرجعية .
2 - وأن الله قد عصمه عن الزلل والوقوع في الخطأ أو إساءة استعمال هذه السلطات الواسعة .
3 - أنه هو الأفضل والأفهم والأعلم والأتقى والأقرب لله .
4 - أن الله سبحانه وتعالى قد أعده ، وهيأه لبيان القرآن ، وتطبيق القرآن وبيانه . وقد أثبت الواقع التطبيقي لعصر الرسالة الزاهر ، أن الله أعلم حيث يضع رسالته ، فلم ينحرف الرسول عن المقاصد الإلهية قيد أنملة ، ولا تدنس بشهوة .
- ص 66 -
مهما كانت يسيرة ، لقد كان دائما حيث أراده الله أن يكون ، وبالوضع الذي أراده الله له . وفوق هذا وذاك ، فإن المسلمين ، قد رضوا بما اختاره الله ، فبايعوا رسول الله بالرضا على ذلك ، أو تظاهروا بالرضا ، فسلطات الرسول مستمدة من الاختيار الإلهي ، ومن الإعداد الإلهي ، ومن التأهيل الإلهي ، ومن الضمانة الإلهية بعدم إساءة استعمال هذه السلطات الهائلة ، ومن المميزات الخاصة التي خص الله بها نبيه ، ثم من طبيعة دين الإسلام ، ثم من موافقة الذين اتبعوه أو تظاهروا باتباعه ، ثم من منطق الأمور وجسامة المهام الملقاة على عاتقه .
وبالإجمال فإن الرسول الأعظم كان هو المسؤول الأعلى عن الدولة بكافة مقوماتها ، وعن الدولة بكل طموحاتها ، وعن مستقبلهما معا ، وهو المؤتمن على دين الله وشرعه الحنيف ، والمرجع الأعلى لكافة الأمور الدينية والدنيوية معا حيث تتداخل الأمور الدينية والزمنية معا في الإسلام ، ويتعذر التفريق بينهما .
من المهام التي لم يحققها الرسول حال حياته لقد أرسل الله رسوله للعالم كله ، وليس لقوم دون قوم ، والرسول الأعظم لا يستطيع أن يتواجد في مكانين أو أكثر في وقت واحد ، ولا يمكنه أن يجمع أبناء الجنس البشري كلهم ، دفعة واحدة ، وفي مكان واحد ، ليبلغهم ما أنزل الله ، من القرآن ، وليبين لهم هذا القرآن ، لقد اقتضت حكمة الله أن يبدأ الرسول دعوته في بلاد العرب وأن يستقطب حوله مسلمين من بلاد العرب ، وأن يكون الكيان السياسي لدولة الإسلام في بلدة عربية ، ثم يتوسع هذا الكيان ليشمل كامل بلاد الجزيرة العربية ، واقتضت حكمة الله أن تؤمن فئة قليلة ، وأن تلتف هذه الفئة حول الرسول وتنفذ توجيهاته لنشر .
- ص 67 -
الدعوة وبناء الدولة ، تلك التوجيهات التي أسفرت عن إيمان فئة قليلة وعن إسلام الأكثرية الساحقة من سكان الجزيرة .
أما بقية العالم فلم يصله القرآن ، ولا سنة الرسول أو بيانه لهذا القرآن بوصفه التطبيق اليقيني للإسلام ، لقد أوجد الرسول الآلية الشرعية لاستمرار الدولة وامتدادها ، وبناء الدولة العالمية التي تتظافر جهودها مع جهود الدعوة لهداية العالم كله إلى الإسلام ، لا بالاستعمار والفتح ، ولكن بالوسائل الشرعية التي حددها الله وبينها رسوله .
لقد آمنت أقلية من العرب ، واضطرت الأكثرية الساحقة من العرب اضطرارا للدخول بالإسلام أو التظاهر بهذا الدخول ، واكتمل نزول القرآن وبينه الرسول من خلال سنته ، وأوجد الرسول آلية الاستمرار والتوسع الشرعي على صعيدي الدعوة والدولة ، لقد بلغ الرسول الرسالة الإلهية وأكمل الله الدين ، لقد انتهت مهمة النبي كرسول ، وبعد انتهاء مهمته بقي يمارس أعماله كإمام أو كولي أو كرئيس من نوع خاص للدولة ، إنه ليس معقولا أن يبقى الرسول في هذا المنصب الأخير طوال عصور التكليف التي قد تمتد لعشرات ، بل لمئات الآلاف من السنين ، ومن ضرورات الابتلاء أن يموت الرسول ، ويرى الله الناس كيف يتعاملون مع التكاليف الإلهية في غياب الرسول ، ويترجمون هذا التعامل في سلوك يقع فعلا ، ولا يبقى في دائرة النوايا