أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 67 :
الرئاسة العامة والمرجعية في الإسلام أصل من أصول الدين الأساسية
منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الرسول أنباء النبوة والرسالة والكتاب ، وطوال عصر النبوة الزاهر ، وإلى اللحظة التي صعدت فيها روح النبي الطاهرة إلى بارئها ، كان واضحا للجميع - المسلم وغير المسلم - أن
- ص 68 -
رسول الله هو الرئيس العام والمرجع معا ، وأن رئاسة الرسول ومرجعيته جزء من مشروع الرسالة الإلهية ، وعمليا كان الرسول يتولى الرئاسة العامة والمرجعية معا ، ويمارس الاختصاصات والصلاحيات الكاملة للرئاسة العامة والمرجعية في شؤون الدنيا والآخرة ، وكان الاعتراف بشرعية رئاسة الرسول ومرجعيته جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي ، فلو أن زيدا من الناس قد أقر بأن القرآن كتاب الله المنزل وأن محمدا هو نبيه المرسل ، ولكنه كان يرى بأنه لا حق لرسول الله بتولي الرئاسة العامة والمرجعية ، لما أعتبر مسلما ولا مؤمنا ، لقد كانت الرئاسة العامة والمرجعية هي العمود الفقري للإسلام ، بل هي محوره وعنوانه ، ولم تكن المؤسسات الأخرى أكثر من مراكز مساعدة ، ومكنات شرعية تخضع للرئاسة العامة والمرجعية ، ولم يكن للبشر دور يذكر في مسألتي الرئاسة العامة والمرجعية ، لأن الإسلام مشروع شامل ومتكامل من صنع الله ، واختياره ، وتشكل الرئاسة العامة والمرجعية ، فصلا من فصوله ، ومقوما من مقومات قبوله ، متداخلا ومتكاملا مع بقية مقوماته الأساسية ، وهذا من أسرار نفور زعامة بطون قريش ، من الإسلام ، ومن النبي ، وسر من أسرار استماتتها في مقاومة النبي وحربه .
التأهيل العام للرئاسة والمرجعية في الإسلام الرسول كرئيس وكمرجع ، اختاره الله تعالى ، وليس للبشرية أي دور باختياره لأن الله تعالى أراد أن يكون الرئيس والمرجع هو الأعلم ، وهو الأفهم ، وهو الأفضل ، وهو الأقرب إلى الله ، قد أعده الله وهيأه ليكون كذلك ، لأنه لو وجد من يتفوق عليه بهذه الصفات ، لفقد هذا الرئيس والمرجع العام تميزه ومبررات رئاسته ومرجعيته ، ثم إن مصلحة أفراد المجتمع ، أو الجنس البشري عامة أن يتمتع رئيسهم ومرجعهم بهذه الصفات ، ولكن من الناحية العملية لا قدرة لهم على تحديد من تتوفر فيه هذه الصفات تحديدا يقينيا ، لقد تسالمت البشرية وتمنت طوال التاريخ أن
- ص 69 -
يحكمها الأفضل ، واعتبرت أن حكم الأفضل في كل شئ أفضل أنظمة الحكم ، وأفضل مكتسبات المجتمعات البشرية ، لذلك كله تلطفت العناية الإلهية ، وقدمت لهم الأفضل ، الذي تسالمت عليه وتمنت حكمه طوال التاريخ .
قد تتوفر هذه الصفات في رجل معين ، قبل أن يتولى الرئاسة العامة والمرجعية ثم ينحرف بعد ممارسته لأعبائها أمام الإغراءات الهائلة التي تستفز الطبيعة الإنسانية لقد أخذ الله ذلك بعين الاعتبار ، فقدر أن من مقومات التأهيل والإعداد الإلهي لمن يتولى الرئاسة العامة والمرجعية أن يكون معصوما ، عن الوقوع في الزلل والخطأ والمعصية ، حتى لا يسئ استعمال الصلاحيات الهائلة التي أعطيت له وحتى لا يفقد تميزه ومبررات رئاسته ومرجعيته ، وحتى يتميز النظام الإلهي عن النظام الوضعي ، لذلك كله فقد عصم الله كل الذين اختارهم للرئاسة العامة والمرجعية في الأنظمة الإلهية ، وعلى رأسها النظام الإسلامي .
وبعد أن عصمهم الله خولهم صلاحيات هائلة تمكنهم من تحقيق الأهداف الكبرى التي أناط الله بهم مهمة تحقيقها . فلا خوف من طغيان الرئيس والمرجع العام ما دام أنه معصوم ومؤهل إلهيا .
لماذا اهتدت البشرية لمبدأ فصل السلطات ، وعدم تركزها بيد واحدة ولماذا وجدت الرقابة بأنواعها في الأنظمة الوضعية ؟
لقد وجدت لمقاومة الطغيان والاستبداد والحيلولة دون وقوعهما .
أما في الإسلام فإن إعداد الرئيس وتأهيله إلهيا ، وعصمته والشهادة الإلهية له بأن يتبع تماما ما يوحى إليه من ربه ، ضمانات إلهية كافية ضد الانحراف ، وإساءة استعمال السلطة .
والعصمة تعني الالتزام التام بالصواب ، بحيث يبقى المعصوم في دائرة ما أراده الله ، والله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان ودوافعه وميوله وحاجاته ، لقادر على أن يبطل فاعلية بعضها ، فقد يأخذ من الإنسان القدرة على الإبصار ، أو القدرة على ممارسة
- ص 70 -
الجنس ، أو القدرة على ارتكاب الخطأ ، أو القدرة على الإنجاب فيجعله عقيما ، هنالك أناس يتطعمون بأمصال معينة ضد مرض معين فلا يصابون بهذا المرض ، ويصاب فيه الذين لم يتطعموا ، هذه حالة علمية تجريبية اهتدى إليها الإنسان المحدود المعارف ، فما الذي يمنع الله الذي استطال بقدرته على كل شئ أن يعصم إنسانا من ارتكاب أمور معينة ، ثم إن العصمة ضرورية ، ليبلغ الرسول ما أوحي إليه من ربه بدون زيادة ولا نقصان ، وفي الرسالة الإلهية خاصة الإسلامية ، تتواجد حالة من التكامل والترابط بين ما هو ديني وما هو دنيوي ، فالرسول الأعظم كان يتلقى القرآن وحيا ، ثم يتلوه أمام الناس ، ومن خلال سنته بفروعها الثلاثة ، يبينه بيانا يقينيا ، ويطبقه تطبيقا حرفيا ، سواء أتعلق هذا البيان بالدنيا أو بالدين ، فالعبادات التي تشكل العمود الفقري لكل ما هو ديني تهدف من جملة ما تهدف إلى إعداد المتعبد لصنع سلوك بشري مستقيم ومنسق مع المقاصد الإلهية .
وبالإجمال فإن الرئيس العام والمرجع في الإسلام له ميزات تميزه عن غيره من الرؤساء والمراجع في أي نظام آخر ، فالرئيس العام والمرجع في الإسلام ، محيط إحاطة تامة بالقرآن الكريم ، بوصفه الدستور أو القانون الأعلى الذي يشمل أصول ومبادئ كل شئ يحتاجه الناس ، ومن الضروري أن يحيط الرئيس والمرجع العام في الإسلام ببيان هذه القرآن أي بسنة الرسول بفروعها الثلاثة ، لأن سنة الرسول هي بيان القرآن وتطبيقه العملي ، وبالتالي فلا ينبغي أن يخفى على الرئيس العام والمرجع في الإسلام المعنى اليقيني لكل كلمة من كلمات القرآن ، أو لأي آية من آياته وينبغي أن تكون لدى الرئيس العام والمرجع في الإسلام القدرة التامة على الإجابة على أي سؤال يطرحه أي إنسان في العالم .
وينبغي أن لا يكون في زمانه من هو أعلم ولا أفهم ولا أفضل ولا
- ص 71 -
أقرب لله منه ، لأنه تميزه وتفرده بذلك هو المبرر لوجوده ولرئاسته العامة ومرجعيته .
إن الرئيس العام والمرجع في الإسلام يمثل صفوة الجنس البشري ، وعنوان الكمال الإنساني ، سواء أكان هذا الرئيس رسولا أو إماما .