أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 59 :
الباب الثاني من يؤدي عن النبي ، من يبين القرآن ومن يبلغ السنة بعد موت النبي ؟ .
----------------------------------------------- ص 60 -----------------------------------------------
----------------------------------------------- ص 61 -----------------------------------------------
الفصل الأول : ماهية الرئاسة العامة والمرجعية في الإسلام
قلنا : إن المهمة الأساسية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت منصبة على بيان القرآن من خلال السنة النبوية ، باعتبار سنة الرسول هي الترجمة العملية لنصوص القرآن ، والوجه الآخر للشريعة الإلهية ، وللدين الإسلامي كله ، فالشريعة الإلهية ، والدين الإسلامي ليسا أكثر من كتاب منزل ومن نبي مرسل ، ولتأكيد هذا الترابط والتكامل بين الاثنين ، أمر الله سبحانه عباده بطاعة الله ورسوله معا ، وأكد القرآن الكريم بكل وسائل التأكيد بأن طاعة الرسول عمليا هي كطاعة الله ، ومعصية الرسول تماما كمعصية الله ، ( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) وحتى لا تكون للمكلفين حجة ، أو مبرر للتلكؤ عن طاعة الرسول ، فقد شهد الله لنبيه بأنه لا ينطق عن الهوى ، وأنه يتبع تماما ما يوحى إليه من ربه وكفى بالله شهيدا .
ثم إن الرسول الأعظم لم يبعث لقوم دون قوم إنما بعث للعالم كله ، وهو خاتم النبيين فلا نبي بعده ، والشريعة الإلهية التي أوحاها الله لنبيه هي آخر الشرائع الإلهية ، فلا شريعة إلهية نافذة من بعدها ، لقد أوجد الرسول تحت الإشراف الإلهي المباشر ، النموذج المتحرك ، والآلية اللازمة لإنقاذ العالم وهدايته إلى دين الإسلام ، وبنى الرسول دولة الإيمان ، مؤسسة بعد مؤسسة لتحمي حرية الاختيار ، ولتجسد طبيعة العلاقة الشرعية بين الحكام والمحكومين
- ص 62 -
اكتمال الدين وانتهاء مهمة النبي كرسول لقد أوجد الرسول الأعظم تحت الإشراف الإلهي المباشر نموذج مجتمع الإيمان ، وبين القرآن الكريم من خلال سنته الشريفة ، فما من شئ يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلا وله أصل في القرآن الكريم وتفصيل في سنة الرسول ، لقد ترجم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الشريعة الإلهية ( القرآن وبيانه ) أو ( القرآن وسنة الرسول ) من النظر إلى التطبيق ومن الكلمة إلى الحركة .
ولم يبق من أمور الدنيا والآخرة شئ إلا وضحه الرسول وبينه حسب التوجيهات الإلهية .
ولأن القرآن هو المعجزة الشاهدة على صدق الرسول ، ولأنه أصل الشريعة الإلهية الحاوي لأحكامها ومبادئها ، فقد أمر الرسول بكتابته وتدوينه ، آية آية ، وكلمة كلمة فكلما نزلت على رسول الله كوكبة من القرآن الكريم ، كان الرسول يتلقاها من ربه ، مع التوجيه الإلهي في أية سورة يضعها ، فكان الرسول يأمر الإمام عليا على الفور بكتابتها وفي الموضع المحدد إلهيا لها ، وكان الرسول يعلن على المسلمين عن نزول أية كوكبة من القرآن ، ويبين لهم بأية سورة يضعونها ، ويأمر القادرين على الكتابة بكتابتها .
وكان الرسول الأعظم يبين ما أنزل إليه من ربه أولا بأول عن طريق سنته المباركة بفروعها الثلاثة ، ويأمر الإمام عليا بتدوين هذا البيان أو هذه السنة المباركة أولا بأول ، ويأمر الناس ويحثهم على كتابة القرآن وكتابة السنة .
وعندما نزلت آخر آية من القرآن الكريم كان لدى الرسول والإمام علي نسخة كاملة من القرآن كما أنزل تماما ، لم تتقدم كلمة على كلمة أو حرف على حرف ، كما كان لدى الإمام علي السنة النبوية كاملة بإملاء رسول الله وخط علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهذا أمر طبيعي لأن القرآن وسنة
- ص 63 -
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هما الشريعة الإلهية ، والشريعة يجب أن تكون مدونة ومكتوبة ، حتى يحتج أصحاب الحقوق بنصوصها ، وفي الوقت نفسه الذي أملى فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سنته كاملة على الإمام علي عليه السلام ، وكتبها الإمام علي بخط يده ، كان رسول الله يأمر المسلمين بتدوين وكتابة سنته ، وبالفعل استجاب المؤمنون للأمر الإلهي ، فكل واحد من أصحاب الهمم العالية كتب نسخة كاملة من القرآن الكريم ، وكتب طائفة من سنة الرسول ، وما من قادر على الكتابة إلا وقد كتب على الأقل سورا من القرآن الكريم ، وطائفة من نصوص سنة الرسول ، ويمكنك القول إن المنظومة الحقوقية الإلهية ، قد شاعت وانتشرت بين الناس ، وأحيط الجميع علما بأحكامها ، بهذا الوقت بالذات نزل قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) .
لقد انتهت مهمة النبي كرسول ، حيث اكتمل نزول القرآن ، ودون كله واكتمل بيان القرآن ، ودون هذا البيان كله بإملاء رسول الله وخط الإمام علي . . ولخص الرسول الأعظم في غدير خم الموقف للأمة ، ثم أعلن بأنه بعد عودته إلى المدينة بقليل سيمرض ، وسيموت في مرضه ، لأنه قد خير واختار ما عند الله بعد أن أدى الأمانة ، وبلغ الرسالة .