أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 49 :
كل الصحابة القادرين على الكتابة والمهتمين بشرع الله وسنة رسوله قد كتبوا
رأينا تحت عنوان ( التدوين الخاص لسنة رسول الله أن رسول الله كان يملي سنته على الإمام علي ، والإمام علي يكتبها بخط يده ، وأن هذه السنة المباركة قد جمعت في كتب وهي ما زالت محفوظة عند أهل بيت النبوة يتوارثونها كما يتوارث الناس ذهبهم وفضتهم .
وتحت عنوان طائفة من الأخبار والروايات التي تثبت أن الرسول قد أمر المسلمين بكتابة سنته ، سقنا فيضا من أحاديث الرسول التي حثت المسلمين على كتابة السنة .
ثم إن أبا بكر الخليفة الأول قد كتب بنفسه خمسمائة حديث سمعها بأذنه من رسول الله وكتبها بخط يده ، كما سنوثق ذلك في حينه ، نقول لأولياء الخلفاء : فهل يعقل أن يكتب أبو بكر سنة الرسول لو أن الرسول نهى عنها ! !
ثم إن عمر بن الخطاب كان قد ناشد الناس أن يأتوه بما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول لأنه يريد أن يجمع السنة في كتاب واحد ، فأتوه بها . وناشدهم أن يأتوه بالكتب المحفوظة عندهم لأنه يريد أن ينظر بها ، فأتوه بها ، فلما تجمعت بين يديه أمر بحرقها فحرقت فعلا كما سنوثق في حينه . فلو أن الرسول قد أمر المسلمين بعدم كتابة سنته ، فلماذا كتبها الناس واحتفظوا بها حتى عهد الخليفة عمر ! ! .
- ص 50 -
ثم إن كل صحابي قادر على الكتابة وراغب فيها كان يحتفظ بصحيفة خاصة كتب فيها بخط يده ما سمعه من رسول الله فعلى سبيل المثال :
1 - كانت لأنس بن مالك خادم الرسول صحيفة أو صحفا فقد رووا عنه أنه قال : ( هذه أحاديث كتبتها عن رسول الله أو سمعتها من رسول الله وكتبتها وعرضتها عليه ) ( 1 ) وألقى بمجال أي بصحف أو مجلات .
2 - و ( جابر بن عبد الله كانت له صحيفة ) ( 2 ) و ( معاذ بن جبل كان لديه كتاب يحتوي على أحاديث رسول الله ) ( 3 ) و ( كان هذا الكتاب عند موسى بن طلحة ) ( 4 ) .
3 - ورافع بن خديج كانت عنده صحف : روى مسلم في صحيحه عن نافع بن جبير أن مروان بن الحكم قد خطب الناس فذكر مكة وأهلها وحرمتها ، ولم يذكر المدينة وأهلها وحرمتها . فناداه رافع بن خديج وقال له : ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ، ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها ، وقد حرم رسول الله ما بين لابتيها ، وذلك عندي في أديم جولاني إن شئت أقرأتكه ) ( 5 ) .
4 - و ( سعد بن عبادة كانت له صحيفة روى ابنه منها حديثا ) ( 6 )
( 1 ) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5 ، وكنز العمال ج 10 ص 285 ، والكامل لابن عدي ج 1 ص 36 ، وميزان الاعتدال ج 3 ص 280 .
( 2 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 467 ، والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 183 ، والمراسيل للرازي ص 37 ، وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 43 .
( 3 ) سيرة ابن هشام ص 886 و 956 ، وحلية الأولياء ج 1 ص 24 ، والأموال لأبي عبيد ص 27 .
( 4 ) مسند أحمد ج 5 ص 228 .
( 5 ) صحيح مسلم كتاب الحج باب فضل المدينة ج 2 ص 992 رقم 1361 .
( 6 ) مسند أحمد ج 5 ص 285 ، وسنن الترمذي كتاب الأحكام باب اليمن مع الشاهد ج 3 ص 157 . ( * )
- ص 51 -
و ( العشرات من الصحابة الكرام كانت لهم صحف كتبوا فيها بأيديهم ما سمعوه بآذانهم من رسول الله ) ( 1 ) واحتفظوا بهذه الكتب إلى زمن عمر بن الخطاب حيث سلم أكثريتهم هذه الصحف لاعتقادهم أنه يريد أن يجمع السنة ، فلما وضعت بين يديه أمر بحرقها فحرقت ولم يرو راو قط أن رسول الله قد نهى عن كتابة العلوم أو عن الكتابة عامة بل كان من الداعين إليها ، والحاثين عليها ، والممارسين لها ، وكان له كتاب يكتبون له كل يوم ، وكان يكتب لولاته وعماله ، ويرد على الذين يكتبون إليه ، لقد كتب الرسول إلى ملوك الأرض والزعماء يدعوهم إلى الإسلام ، لقد شجع رسول الله الأسرى بأن يفتدوا أنفسهم مقابل تعليم بعض صبيان المدينة الكتابة ، وكان من جملة رعايا دولة النبي يهود ونصارى ، وكانت لهم الحرية أن يكتبوا ما أرادوا ولم يرو راو قط بأن الرسول قد منعهم من كتابة أو قراءة أي شئ يرغبون ! ! ولم يرو راو قط بأن الرسول قد منع كتابة أي علم من العلوم ، ثم إن الرسول هو الذي بين للمسلمين آية ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ 1 ) .
لقد اهتم رسول الله بالكتابة كل الاهتمام ، واهتم بالتفاصيل الفنية للكتابة فكان يقول : ( الخط الحسن يزيد الحق وضوحا ) ( 2 ) وكان يقول : ( تربوا الكتاب فإن التراب بركة ) ( 3 ) وكان يقول : ( إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح للحاجة ) ( 4 ) .
فلماذا يمنع الرسول المسلمين من كتابة وتدوين سنته المباركة بالوقت
( 1 ) راجع تدوين السنة الشريفة من ص 205 وما فوق .
( 2 ) ميزان الاعتدال ج 2 ص 5 ، والجامع الصغير للسيوطي رقم 4134 ، وأدب الإملاء ص 166 ، ولسان الميزان ج 3 ص 221 ، وتدوين السنة الشريفة ص 101 .
( 3 ) أدب الإملاء ص 17 ، والسراج المنير للعزيزي ج 1 ص 165 .
( 4 ) الكامل لابن عدي ج 1 ص 294 ، وتدوين السنة ص 98 وما فوق . ( * )
- ص 52 -
الذي يبيح فيه للمسلمين ولأتباع كل الديانات كتابة كل شئ يريدون ! ! !
لقد صوروا رسول الله بصورة العدو المبين لكتابة سنته ، والقصد من هذا التصوير الكاذب تبرير أفعال الخلفاء الذين أحرقوا سنة رسول الله المكتوبة ، ومنعوا المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله كما سنرى ، وللتغطية على أفعال الخلفاء اختلقوا هذه الصورة على رسول الله ، فويل لهم مما كتبت أيديهم ، وويل لهم مما يفترون ! .