أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 23 :
بعض تأكيدات الرسول على التلازم والتكامل بين كتاب الله وسنة رسوله
شعار حسبنا كتاب الله
لما أراد الرسول الأعظم أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية وهو على فراش الموت ، تدخل عمر بن الخطاب ، فقال للحاضرين : ( إن المرض قد اشتد برسول الله ، أو أن الرسول يهجر - أي لا يعي ما يقول - وعندكم القرآن ( حسبنا كتاب الله ) ( 1 ) وسندا لهذا الشعار حالوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد كتابته .
وبعد أن استولى أبو بكر على منصب الخلافة جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : ( إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ) ( 2 ) والتزاما من الخليفة بما أمر المسلمين به قام بحرق الأحاديث التي سمعها من رسول الله بإذنه ، وكتبها بخط يده ( 3 ) .
ولما تولى عمر بن الخطاب الخلافة ، ناشد الناس أن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم لأنه يريد أن يجمعها في كتاب ، كما ناشدهم أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم حتى ينظر فيها ويقومها ، فلما أتوه بها أمر بحرقها ، وحرقت فعلا ( 4 ) ثم كتب إلى ولاته في كل البلاد الخاضعة لحكمه ( أن من كان عنده شئ مكتوب من سنة الرسول فليمحه ) ( 5 ) .
( 1 ) راجع صحيح البخاري ج 7 ص 9 وج 4 ص 31 ، وصحيح مسلم ج 5 ص 75 وج 11 ص 95 بشرح النووي ، وفي الفصول اللاحقة سنورد أربعين مرجعا على صحة هذه الواقعة .
( 2 ) راجع تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3 ، والأنوار الكاشفة ص 53 وتدوين السنة ص 423 .
( 3 ) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5 ، وكنز العمال ج 10 ص 285 ، والاعتصام بحبل الله المتين ج 1 ص 30 .
( 4 ) الطبقات لابن سعد ج 5 ص 140 .
( 5 ) كنز العمال ج 1 ص 291 . ( * )
- ص 24 -
وبرر الخليفة عمله هذا بالقول : ( إني كنت أردت أن أكتب السنن ، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا ، فأكبوا عليها ، فتركوا كتاب الله ! ! وإني والله لا ألبس كتاب الله بشئ ) ( 1 ) ثم قال : ( أمنية كأمنية أهل الكتاب رأي حتى لا ينشغل الناس بالسنة عن القرآن ) ( 2 ) .
وحرصا من الخليفة على القرآن الكريم ، منع الناس من رواية أحاديث رسول الله ، وهدد من يرويها ، وضرب الرواة ، وحبس بعضهم ، وملأ قلوب الرواة بالرعب والإرهاب حتى لا يرووا سنة رسول الله ) ( 3 ) .
وما فعل الخليفة ذلك إلا حرصا على القرآن وإعمالا لشعار ( حسبنا كتاب الله ) وشعار ( بيننا وبينكم كتاب الله ) كما سنوضح لاحقا ! ! ! حكم الرسول بهذين الشعارين قال رسول الله : ( يوشك الرجل متكئا في أريكته ، يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ) ( 4 )
أنت تلاحظ أن الرسول قد استعمل حرفيا الكلام الذي قاله أبو بكر يوم منع المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسوله ، فارجع إلى ما قاله أبو بكر في الصفحة السابقة ! !
( 1 ) تقييد العلم ص 49 ورواه في دفاع عن السنة ص 21 ، راجع كنز العمال ج 1 ص 291 ، وتدوين القرآن ص 371 .
( 2 ) راجع المبحث اللاحق تحت عنوان موقف الخليفة عمر من سنة رسول الله .
( 3 ) المصدر نفسه .
( 4 ) مسند أحمد ج 4 ص 131 ، وأبو داود في سننه كتاب السنة باب 5 ، ولزوم السنة ج 4 ص 200 ح 4604 ، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 6 باب 3 ح 12 ، وسنن الدارمي ج 1 ص 117 ح 592 ، وسنن البيهقي ج 3 ص 331 ، ودلائل النبوة ج 1 ص 25 ، والمستدرك على الصحيحين ج 1 ص 180 و 109 ، والترمذي كتاب العلم ج 2 ص 110 ، 111 وقال هو حديث صحيح ، والحديث والمحدثون ص 11 و 24 . ( * )
- ص 25 -
وقال الرسول : ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته ، يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) ( 1 ) .
وقال الرسول : ( أيحسب أحدكم متكئا على أريكته ، قد يظن أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا ما في القرآن ، ألا وإني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن ) .
قال ابن حزم : ( صدق النبي هي مثل القرآن ولا فرق في وجوب طاعة كل ذلك علينا ، وقد صدق الله ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وهي أيضا مثل القرآن في أن كل ذلك وحي من الله ) ( 2 ) .
( 1 ) سنن ابن ماجة ج 1 ص 6 - 7 ، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 108 وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
( 2 ) الأحكام لابن حزم ج 1 ص 159 ، وراجع تدوين السنة الشريفة ص 352 وما فوق . ( * )