أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 45 :
قصة من قصص يوسف
- جاءت حفصة زوج النبي ، وابنة عمر بن الخطاب بكتاب من قصص يوسف في كتف ، فجعلت تقرؤه عليه ، والنبي يتلون وجهه ، ثم قال والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم ) ( 4 ) .
وهذا كله يعني أن كتابة أي شئ كانت أمرا مباحا ، وأن بإمكان أي قادر على الكتابة أن يكتب بنفسه ما يريد ، ولم يردعه الرسول الأعظم بأنه قد نهى عن
( 4 ) مصنف عبد الرزاق ج 6 ص 113 . ( * )
- ص 46 -
الكتابة - ككتابه - بأي موضوع من الموضوعات ، كان الرسول ينهى عن بعض مضامين ما يكتب ، ولكنه لم ينه عن الكتابة كوسيلة تعليمية أو توثيقية ، بل على العكس فقد أمر الرسول الإمام عليا بكتابة سنته أولا بأول ، فكان الرسول يملي والإمام علي يكتب بخط يده ، وكتب رسول الله القرآن الكريم ، فقد كان له كتاب وحي يكتبون له على الفور ما يوحى إليه من كتاب الله ، وكانت عنده صحف مرقمة ومميزة ، فتأتيه الآية أو الآيات ، مع التوجيه الإلهي بأي سورة من سور القرآن يضعها ، ثم إن الرسول كان يأمر المسلمين بالكتابة وطلب العلم ونشره ، ثم إن الرسول الأعظم ، لم يأمر بحرق نسخ التوراة المعربة التي جاء بها عمر بن الخطاب ، ولا هو أمر بحرق أو تمزيق قصة يوسف التي تلتها زوجته أمامه ، إنما نهى عن المضامين حتى لا تؤدي إلى زعزعة عقيدة المسلم ، أو بلبلة أفكاره ، أو انحرافه .
فما هي مصلحة الرسول ، وما هي مصلحة الإسلام والمسلمين في أن يقوم الرسول بإحراق المكتوب من سنته كما زعموا ( 1 )
ولماذا يمنع الرسول كتابة وتدوين سنته الطاهرة وهي دين الإسلام العملي في الوقت الذي يبيح فيه الرسول كتابة وتدوين كل شئ ! ! ! ! اليهود والنصارى كانوا من رعايا دولة الرسول ، فهل منعهم الرسول من كتابة التوراة والانجيل وأخبار الأنبياء السابقين ؟ !
وهل منعهم من رواية ما يعتقدون ؟
وهل منع الرسول رعايا دولته من أن يكتبوا الشعر ، أو القصص ، أو أخبار الأولين ، أو العلوم ، أو الآداب أو الأنساب أو التاريخ ؟ ! !
لقد كانت الكتابة من الأمور المألوفة في كل مجتمع ، ومن أبرز المظاهر الحضارية التي تسالمت على منطقيتها وضرورتها المجتمعات البشرية ، فلا علم لي أن دولة من الدول ، أو زعيما من زعماء الجنس البشري عبر التاريخ قد حرم الكتابة أو اعتبرها جريمة من الجرائم ! !
فلماذا يختار رسول الله سنته من دون علوم الأرض ومعلوماتها ،
( 1 ) مسند أحمد ج 5 ص 182 ، وسنن أبي داود كتاب العلم ج 3 ص 319 . ( * )
- ص 47 -
فيحرم كتابتها وروايتها ! ! !
لقد تقولوا على رسول الله بأكبر من ذلك ، فادعوا بأن رسول الله لم يجمع القرآن ، وأنه قد انتقل إلى جوار ربه والقرآن لم يجمع بعد ، ولولا الخلفاء الثلاثة الأول الذين شمروا عن سواعدهم فكتبوا القرآن وجمعوه ، لضاع القرآن ! ! ! ! فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يفترون ! ! !
إن ادعاءات القوم لا يقرها دين ولا عقل ولا منطق ، فحتى الذين لا يعتنقون الإسلام ، أيقنوا بأن رسول الله قد كتب سنته ، وأنه قد أمر المسلمين بكتابتها وتبليغها ونشرها ، إن ادعاءات القوم محاولات مكشوفة للتغطية على فضائح التاريخ وتبرير سلوك الخلفاء ( الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) .
ومناشدة عمر بن الخطاب للمسلمين بأن يأتوه بما لديهم من السنة النبوية المكتوبة ، عندما أوهمهم بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول في كتاب واحد وإحضارهم لما هو مكتوب عندهم من السنة دليل قاطع على أن المسلمين كانوا يكتبون سنة الرسول حال حياته .
ثم إن المرسوم الذي أصدره عمر وعممه على كافة الأمصار طالبا منهم أن يمحوا كل ما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول دليل آخر . لأن المسلمين لم يكتبوا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر أي شئ من السنة النبوية حيث أعلن الخليفتان حربهما على سنة الرسول عملا بشعار ( حسبنا كتاب الله ) ، وشعار ( لا كتاب مع كتاب الله ) ففي هذه الظروف يتعذر على المسلم كتابة حديث رسول الله ، وهذا يعني أن الأحاديث المكتوبة التي أحرقها عمر بن الخطاب ، شخصيا ، أو أمر ولاته بمحوها كانت مكتوبة في زمن رسول الله ، وبأمره أو سكوته وقبوله الضمني بكتابتها ( 1 ) وهذا يدل
( 1 ) وقد وثقنا ذلك عند ذكرنا لتلك الروايات . ( * )
- ص 48 -
دلالة قاطعة بأن منع كتابة ورواية أحاديث رسول الله كان من الخلفاء وليس من النبي ، لأن شيوع وثبوت وانتشار أحاديث رسول الله ، سيكشف أن الخلفاء قد غصبوا ما ليس لهم ، وأنهم قد جلسوا في مكان مخصص لغيرهم ، وأنهم قد تجاهلوا بالكامل سنة الرسول وترتيبات الرسول المتعلقة بنظام الحكم ، والمرجعية ، لذلك كان من مصلحتهم الشخصية أن يدمروا بالكامل سنة رسول الله ، وأن يجتثوها من الوجود إن استطاعوا ، حتى لا يبقى شئ يدل على وجود الجريمة ، وفي ما بعد ، قام أولياؤهم بالكذب المتعمد على رسول الله ، وادعوا بأن الرسول هو الذي أمر بعدم كتابة وعدم رواية السنة النبوية ، وأن الخلفاء قد منعوا كتابة ورواية السنة عملا بأمر الرسول ! !
وقد أرادوا من تلك المزاعم الكاذبة أن يبرروا ما فعله الخلفاء ، فإذا كان الرسول قد أمر بعدم كتابة ورواية سنة الرسول ، فلماذا سمحوا بكتابة ورواية السنة بعد مائة عام من منع كتابة ورواية هذه السنة ! !
لقد قدر أولياء الخلفاء أن السنة قد تدمرت تماما ، وأن آثار جريمة الخروج على الشرعية الإلهية قد محيت ، وأن مئات الآلاف من الأحاديث المختلقة التي وضعوها كافية كل الكفاية لتبرير ما فعل الخلفاء ، وللتشكيك بكل نص من سنة الرسول يخدش فعل الخلفاء ، هذا إن وصل النص الصحيح للناس