أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ - أحمد حسين يعقوب ص 31 :
توارث العلم والإمامة
لما حضرت الوفاة الإمام عليا أوصى إلى ابنه الحسن ، وأشهد على الوصية الحسين ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثم دفع إليه الكتب والسلاح وقال لابنه الحسن : يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلى رسول الله ودفع إلى كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ، ثم أقبل على ابنه الحسين فقال وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا ثم أخذ بيد علي بن الحسين ، ثم قال لعلي بن الحسين وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله ومني السلام ( 1 ) .
ويبدو أن هنالك كتبا أخرى كانت مودعة عند أم المؤمنين أم سلمه ، وأن الإمام الحسن قد تسلم هذه الكتب بعد عودته إلى المدينة ، وقد آلت هذه الكتب جميعا ، مع سلاح الرسول وخاتمه ولوائه إلى كل واحد من الأئمة ألاثني عشر ، وكان الأئمة كل في زمانه يرجعون إلى هذه الكتب التي أملاها رسول الله وكتبها الإمام علي بخط يده ) ( 2 ) .
( 1 ) الكافي والوافي ج 2 ص 79 ، ومعالم المدرستين ج 2 ص 319 .
( 2 ) راجع بصائر الدرجات باب 4 ج 45 . ( * )
- ص 32 -
قال الإمام جعفر الصادق : ( إنا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، ولكنها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثه كابر عن كابر ، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم ) ( 1 ) .
وقال أيضا : ( لولا أن الله فرض طاعتنا ، وولايتنا ، وأمر مودتنا ، ما أوقفناكم على أبوابنا ، ولا أدخلناكم بيوتنا ، إنا والله ما نقول بأهوائنا ، ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلا ما قال ربنا ، أصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ) ( 2 ) .
ومن المعروف أن الأئمة الكرام ألاثني عشر هم شيوخ آل محمد وأهل بيت النبوة ، فكان كل واحد منهم في زمانه عميد أهل بيت النبوة وشيخ آل محمد ، وكان الحكام والخاصة والعامة ، يتعاملون مع كل واحد من ألاثني عشر على هذا الأساس ، ومع أن العباس هو عم النبي ، إلا أنه لم يدع بأنه شيخ آل محمد ولا عميد أهل بيت النبوة ، ولا تقدم على الإمام علي ، إنما كان يطالب بالخلافة للإمام لا لنفسه ، ومع أن بني العباس قد أصبحوا ملوكا في ما بعد وحكموا العالم الإسلامي ، إلا أن أي واحد منهم لم يدع بأنه عميد أهل بيت النبوة أو شيخ آل محمد ، بل كان الخليفة منهم يعترف بعمادة الإمام المعاصر له ، وبعد أن انتقل الإمام علي إلى جوار ربه كانت العامة والخاصة يخاطبون كل واحد من الأئمة بالقول : ( يا بن رسول الله ) لقد أجمع الأئمة الاثنا عشر وأجمعت الخاصة من آل محمد وأهل بيت النبوة على أن الإمام عليا قد كتب بخط يده كل ما أملاه عليه رسول الله ، كما وثقنا ، وإجماع أهل بيت النبوة كاف كل الكفاية ، لأن الله قد أذهب عنهم الرجس ، وجعل الصلاة عليهم ركنا من أركان الصلاة المفروضة على العباد ، وأعلن الرسول بأمر من ربه بأن أهل بيت النبوة هم
( 1 ) بصائر الدرجات باب 14 ح 3 .
( 2 ) بصائر الدرجات باب 14 ح 10 . ( * )
- ص 33 -
أحد ثقلي الإسلام ، وأن الهدى لا يدرك إلا بهذين الثقلين والضلالة ، لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين معا ، فإن لم تكن هذه الأخبار والمعلومات التي رواها شيوخ آل محمد وعمداء أهل بيت النبوة غير صحيحة فما هو الصحيح إذا ! ! !
ثم هل يعقل أن يجتمع آل محمد خاصتهم وعامتهم على الكذب على رسول الله - حاشاهم - ! ! !
ثم إن الأئمة الكرام لم ينقلوا ولم يتلقوا تلك الأخبار المباركة بالرواية فحسب إنما تلقوها كحقائق مكتوبة أملاها رسول الله ، وكتبها الإمام علي بخط يده ، فهذا يعني أنها منقولة بالحرف والمعنى عن رسول الله .
- ص 34 -
كتابة وتدوين سنة الرسول على مستوى الأمة
في الوقت نفسه الذي كلف فيه رسول الله الإمام عليا بكتابة وتدوين سنة الرسول ، خصيصا للأئمة ، والمراجع ، ولأهل بيت النبوة بوصفهم أحد ثقلي الإسلام ، حيث كان الرسول يملي سنته أولا بأول ، والإمام علي يكتبها بخط يده ، بهذا الوقت بالذات أمر رسول الله كل قادر على الكتابة ، وكل محتاج إليها أن يكتب من سنة الرسول ما يستطيع كتابته .
وأهل بيت النبوة مجمعون على أن رسول الله قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين السنة النبوية ، وأن المسلمين قد استجابوا بالفعل لأمر الرسول وكتب كل قادر على الكتابة مخطوطا أو أكثر منها ، وقد شاعت هذه المخطوطات وانتشرت طوال عهد رسول الله ، وإجماع أهل بيت النبوة حجة للمؤمنين .
ومن خواص ومزايا سنة الرسول أنها قد قاومت محاولات تدميرها وتغييبها فحتى الذين أنكروا إنكارا تاما أن يكون الرسول قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين السنة تواترت عندهم الأخبار والروايات بأن رسول الله بالفعل قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين سنته ، وأن كل قادر على الكتابة من المسلمين كانت عنده صحيفة أو أكثر تحتوي جوانبا من سنة الرسول ، ومع أن الخليفة الأول كان من المعارضين لكتابة ورواية سنة الرسول إلا أنه احتفظ بصحيفة كتبها بخط يده .
- ص 35 -
واشتملت على خمسمائة حديث ، وبقيت تلك الصحيفة عنده طوال عهد الرسول ، ولما انتقل الرسول إلى جوار ربه قام بحرق هذه الصحيفة ) ( 1 ) لأن سياسة الدولة التي كان يقودها كانت قائمة على تغييب واستبعاد سنة الرسول ! حتى لا يبقى هنالك أي دليل من السنة ليكشف مخالفة الدولة لسنة الرسول ، وقيامها بصورة مناقضة تماما لكل أوامر الرسول .